عبد النبوي أمام "اليونيسكو": الحق في التعبير مقيد بحماية النظام العام والقانون المغربي حدد الأسرار الممنوعة على الصحافة
في غمرة الانتقادات الموجهة للمغرب بسبب ملف محاكمات الصحافيين، وآخرها التقرير الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" بداية ماي الماضي، افتتح محمد عبد النبوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الندوة الدولية المنظمة بشراكة مع منظمة "اليونسكو" حول دور القضاء في تعزيز حرية التعبير بالمنطقة العربية، والتي انطلقت أمس الثلاثاء بالرباط، وفيها جدد التأكيد على أن حرية التعبير والممارسة الصحافية غير مطلقة على الرغم من "حمايتها" قانونيا وقضائيا.
وقال عبد النبوي إن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أولت حرية الرأي والتعبير مكانة متميزة بين الحقوق والحريات الأساسية المخولة للأفراد والجماعات داخل المجتمعات، كما أن المملكة المغربية عملت على دسترة هذه الحريات، حيث نص الفصل 19 من الدستور على تمتع الرجال والنساء على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في الدستور، وفي الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
وأضاف المسؤول القضائي أن الفصل 25 من الدستور على كفالة حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها. وعلى ضمان حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني، كما نص الفصل 28 على ضمان حرية الصحافة، وعدم جواز تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وأقر للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة.
وتابع أن القانون الأساسي للمملكة لم يكتف بإقرار هذه الحريات وضمانها، وإنما أوكل للسلطات العمومية دعمها بالوسائل الملائمة والسعي لتطويرها وتنظيمها بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديموقراطية ومهنية وأخلاقية، وأتاح للمواطنين الحق في الحصول على المعلومة الذي لا يَحُدُّ منه سوى ما ينص عليه القانون لحماية الأمن العام والحياة الخَاصة للأفراد وحقوقهم وحرياتهم المنصوص عليها في الدستور.
وفي المقابل، أورد عبد النبوي أنه إذا كانت حرية الصحافة لم تَعُدْ محل جدال في المجتمع اليوم، بل إنها تُعَدُّ أهم صور حرية التعبير ومؤشرها الأساسي، ويتم تصنيفها كسلطة رابعة، فإن النقاش المجتمعي والقانوني والحقوقي ينصرف إلى تحقيق الملاءمة بين حرية الصحافة والرأي والتعبير من جهة، وبين الحقوق الأساسية المخولة للأفراد وللمجتمع بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والدساتير المتقدمة، ومن بينها دستور المملكة من جهة أخرى.
وشدد الرئيس المنتدب لمجلس السلطة القضائية، على أنه "إذا كان من حق الأفراد أن يعبروا عن آرائهم بحرية وبمختلف أشكال التعبير الشفوية أو الكتابية أو غيرها، فإن هذا الحق مقيد بمقتضى المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بواجبات ومسؤوليات خاصة يضعها القانون متى كانت ضرورية لحماية حقوق أو سمعة الأشخاص الآخرين، أو لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة أو الأخلاق العامين، ولذلك فإن الدستور المغربي الذي أقر حرية الرأي والتعبير والصحافة قد أوكل للقانون تنظيمها".
وقال "إذا كانت حرية الصحافة قد أقرها الدستور ومنع كل مراقبة قبلية على مضمونها، فإن تنظيم ممارستها بواسطة القانون يستهدف حماية حقوق وحريات الأفراد والنظام العام بتجلياته الثلاث المتعلقة بالأمن العام والأخلاق العامة والصحة العامة"، مبرزا أن القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر حدد مدلول "الصحافة" في كونها مهنة جمع الأخبار والمعلومات أو الوقائع، ثم التحري أو الاستقصاء عنها بطريقة مهنية، من أجل كتابة أو إنجاز مادة إعلامية كيفما كانت وسيلتها والدعامة المستعملة لنشرها.
وذكَّر عبد النبوي بأن القانون عَهدَ لمدير النشر تحت مسؤوليته الشخصية، بالتحقق من صحة الأخبار والتعاليق أو الصور وغيرها قبل نشرها "وبذلك فالصحافة تعتبر مهنة نبيلة، باعتمادها في نقل الأخبار ونشرها على تحريات وصفها القانون بالمهنية، أي بالجدية والاحترافية، التي تتلافى نشر الإشاعات والأخبار غير المحققة. ومن تَمَّ قيل أن الخبرَ مقدّسٌ والتعليقَ حرٌّ"، مبرزا أن القانون يعاقب على القذف والتشهير والسب، ونشر النبأ الزائف إذا أضر بالنظام العام، لأن مهنة الصحافة ليست هي الإساءة لأعراض الناس والتشهير بهم، ولا اختلاق الأخبار ونشر الإشاعات"، على حد تعبيره.
وأبرز المتحدث نفسه أن كون الصحافة هي مهنة جمع الأخبار، تؤهل الصحافي للحصول على الأخبار والمعلومات من مصدرها، إلاَّ ما استثناه القانون من معلومات وأسرار، ولذلك فقد نص الدستور على الحق في الحصول على المعلومة، موردا أن فالصحافي مطوّق بالتزامات قانونية والتزامات أخلاقية، تجعل حريتَه رقيباً عليه، والمسؤوليةَ مناطاً لمهنته.
وقال عبد النبوي "لئن كانت الصحافة تؤدي دورها داخل المجتمع، في نقل الأخبار الصحيحة والكشف عن التصرفات الضارة، والإعلان عن المبادرات الحسنة، كما تشكل سيفا مسلطا على المخالفين للقانون بواسطة تحرياتها وتحليلاتها وتعاليقها، فإن القضاء يقوم بدور المحافِظ على التوازن بين الحقوق والواجبات، وهو مدعو لحماية الصحافة والمحافظة على حريتها، وعلى حقها في الوصول إلى مصادر الخبر وفي حماية مصادره المشروعة".
ومن ناحية أخرى اعتبر عبد النبوي أن على القضاء أيضا أن يقوم "بحماية حقوق الأشخاص وأعراضِهم من بعض التجاوزات التي تتم عن طريق الصِّحافة، وكذلك حماية الأمن والنظام العام من بعض الممارسات الصحافية التي تُحرض على الجرائم أو تُشِيد بها، أو تدعو إلى التمييز والعنصرية، أو تمسُّ بالأخلاق العامة، وغيرها من المواضيع التي اعتبرها القانون جرائم".
وقال أنه إذا كان نجاح الصحافة في مهامها يُقاس على أساس صحة الأخبار التي تنشرها، وعلى أساس السبق الصحافي في تناول ذلك الخبر، فإن تفوق القضاء في مهامه يقاس على أساس نجاحه في إقامة التوازن بين حقوق الصحافيين وحقوق الأغيار الذين يُكوِّنُونَ مادة صحافية، وعلى أساس الفعالية والنجاعة في رد الفعل القضائي، مضيفا "لئن كان يبدو أن مهنة القضاء ومهنة الصحافة متعارضتين، فإن الحقيقة غير ذلك، لأنهما متكاملتان في حماية المجتمع والنظام العام، ولا تسمح إحداهما للأخرى بالتجاوز. وكل واحدةٍ ترصُد سير الأخرى وتمنعه من الزلل والسقوط".
وأوضح المتحدث أن تعرُّف القضاة على مهام الصحافيين، مفيد لهم في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالصحافة، كما أن تعرُّف الصحافيين على المهام القضائية مفيد للإعلاميين في تحليل الإجراءات القضائية والتعليق على الأحكام، خالصا إلى أن المجلس الأعلى "يرحب بكل المبادرات الجادة للدراسة والتكوين في هذا المجال بالنسبة للقضاة وللصحافيين على السواء".